کد مطلب:250266 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:331

مع المأمون العباسی
اختار الله الأئمة علیهم السلام حكاما علی الخلق، و مشرفین علی تنفیذ الشریعة المحمدیة و القائمین علیها، ولكن الناس منعوهم عن أداء رسالتهم، و حالوا بینهم و بین مهمته كما صنعت الأمم السالفة بأنبیائها.

بقی الأئمة علیهم السلام تحت وطأة الحاكمین، یفعلون بهم ما یشاؤون، فمرة یحبسونهم، و أخری یولونهم العهد علی غیر رغبة منهم.

و للامام الجواد علیه السلام دور آخر بالنسبة للمأمون، فقد استقدمه الی بغداد، و عزم علی تزویجه من ابنته أم الفضل بعد ما شاهد من علومه و فضله، فعارض فی ذلك العباسیون، و طلبوا من المأمون العدول عن ذلك، ولكنه أصر.

فقالوا له: ان هذا الفتی و ان راقك منه هدیه، فانه صبی لا معرفة له و لا فقه، فأمهله لیتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: و یحكم انی أعرف بهذا الفتی منكم، و ان هذا من أهل بیت علمهم من الله تعالی و مواده و الهامه، لم یزل آباؤه أغنیاء فی علم الیدن و الأدب عن الرعایا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما یتبین لكم به ما و صفت من حاله [1] .

لم یقتنع العباسیون بكلام المأمون، واتفقوا جمیعا علی مناظرته، و قد أوقفناك علی بعض تلك المناظرات، و اندحار یحیی بن أكثم أمام الامام الجواد علیه السلام.



[ صفحه 197]



لقد كان قصد المأمون من عقد مجالس المناظرة مع الامام الرضا علیه السلام لزعزعة مركزه، و لیهبط به، بینما كان قصده من المناظرة مع الامام أبی جعفر علیه السلام أن یظهر للملأ علمه و فضله.

لقد انهزم یحیی بن أكثم فی مناظرته مع الامام علیه السلام شر هزیمة، و بدا للجمیع انهیاره و عجزه، و انهزم من ورائه العباسیون، و أسقط ما فی أیدیهم.

و سر المأمون ذلك فقال: الحمد لله علی ما من به علی من السداد فی الأمر، و التوفیق فی الرأی.

و أقبل علی أبی جعفر و قال: انی مزوجك ابنتی أم الفضل و ان رغم لذلك أنوف قوم، فاخطب لنفسك، فقد رضیتك لنفسی و ابنتی.

فقال أبوجعفر علیه السلام: الحمدالله اقرارا بنعمته و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانیته، و صلی الله علیه محمد سید بریته، و الأصفیاء من عترته، و أما بعد: فقد كان من فضل الله علی الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه: (وانكحوا الأیمی منكم والصالحین من عبادكم و امائكم ان یكونوا فقرااء یغنم الله من فضله والله واسع علیم) ثم ان محمدا بن علی بن موسی یخطب أم الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله و سلم و هو خمسمائة درهم جیادا، فهل زوجته یا أمیرالمؤمنین علی الصداق المذكور.

قال المأمون: نعم.

و أخرج الخدم مثل السفینة من الفضة، مطلیة بالذهب فیها الغالیة مضروبة بأنواع الطیب و الماء الورد و المسك فتطیب منها الحاضرون علی قدر منازلهم، ثم وضعت موائد الحلواء، فأكل الحاضرون، و فرقت علیهم الجوائز علی قدر رتبهم، ثم انصرف الناس [2] .

فلما كان من الغد حضر الناس، و حضر أبوجعفر علیه السلام، و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العامة لتهنئة المأمون و أبی جعفر علیه السلام، فأخرجت ثلاثة أطباق



[ صفحه 198]



من الفضلة، فیها بنادق مسك و زعفران معجون، فی أجواف تلك البنادق رقاع متكتوبة بأموال جزیلة، و عطایا سنیة، و اقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علی القوم فی خاصته، فكان كل من وقع فی یدیه بندقة أخرج الرقعة التی فیها و التمسه فأطلق له، و وضعت البدر، فنثر ما فیها علی القواد و غیرهم، وانصرف الناس و هم أغنیاء بالجوائز والعطایا، و تقدم المأمون بالصدقة علی كافة المساكین [3] .

لقد شغف المأمون بالامام أبی جعفر علیه السلام، وانبهر بعلومه و تتابع الكرامات و المعاجز علی یدیه.

قال الشیخ المفید علیه الرحمة: كان المأمون قد شغف بأبی جعفر علیه السلام لما رأی من فضله مع صغر سنه، و بلوغه فی العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل؛ مالم یساوه فید أحد من مشایخ أهل الزمان [4] .

و قال الشیخ الطبرسی علیه الرحمة: كان قد بلغ فی كمال العقل و الفضل و العلم و الحكم و الآداب و رفعة المنزلة مالم یساوه فیها أحد من ذوی السن من السادات و غیرهم، و لذلك كان المأمون مشغوفا به لما رأی من علو رتبته، و عظم منزلته، فی جمیع الفضائل [5] .

بقی الامام علیه السلام فی بغداد معززا مكرما، ولكن مقامه فیها لم یكن برغبة منه، فهو یشعر بالوحشة لفراقه مدینة جده الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم، فهو یقول للحسین المكاری: یا حسین خبز شعیر، و ملح جریش فی حرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحب الی مما ترانی فیها [6] .

و لعل بعد أولیاء الأمور من تعالیم الاسلام كان یزید الامام علیه السلام وحشة من بغداد و أهلها، فالمأمون - و هو أمیرالمؤمنین - كان یشرب الخمر، و قد عز علی الامام علیه السلام أن یری منه ذلك، فقال له: لك عندی نصیحة فاسمعها.

قال: هاتها.



[ صفحه 199]



قال علیه السلام: أشیر علیك بترك الشراب المسكر.

قال: فداك ابن عمك، قد قبلت نصیحتك [7] .

و عند أول فرصة یجدها علیه السلام یقفل راجعا الی مدینة جده الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم.

وفی هذا الحدیث - لو أنصف الباحثون - تتجلی عظمة الامام علیه السلام، فهو صهر الخلیفة، وابن ولی عهده، والدنیا - لو أرادها - تحت تصرفه، و رهن اشارته، و هو لا یزال فی مقتبل عمره، و عنفوان شبابه، یعرض عن الدنیا و بهجتها، و یتركها لأهلها المتكالبین علیها.

(لقد كان فی قصصهم عبرة لأولی الألباب ما كان حدیثا یفتری ولكن تصدیق الذی بین یدیه و تفصیل كل شی ء و هدی و رحمة لقوم یؤمنون).



[ صفحه 200]




[1] الاحتجاج 2 / 341.

[2] نورالابصار للشبلنجي 147.

[3] تاريخ الامامين الكاظمين 43.

[4] الارشاد 342.

[5] أعلام الوري 202.

[6] بحارالأنوار 12 / 110.

[7] نورالابصار للحائري 258.